باريس سان جيرمان- من صراع الهبوط إلى عرش أوروبا والعالم؟

عاش نادي باريس سان جيرمان الفرنسي لكرة القدم، على مر العقدين الماضيين، رحلة زاخرة بالصعود والهبوط، شهدت منعطفات حادة، لكنه استطاع تجاوزها بعناء، ليتحول من فريق يكافح من أجل البقاء إلى قوة عظمى تنافس كبار الأندية العالمية. يستعد النادي الباريسي الآن لمواجهة ريال مدريد، حامل لقب دوري أبطال أوروبا، في الدور نصف النهائي من بطولة كأس العالم للأندية، في مباراة مرتقبة يوم الأربعاء.
الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" استرجع، عبر موقعه الرسمي يوم الثلاثاء، شريط الذكريات إلى الوراء سبعة عشر عامًا، ليُسلط الضوء على قصة صعود هذا الفريق الذي يمثل العاصمة الفرنسية. ففي عام 2008، كان الفريق مُهددًا بالهبوط إلى الدرجة الثانية، بينما اليوم، يتبوأ مكانة مرموقة كأفضل فريق في فرنسا، مُحققًا شبه احتكار للألقاب المحلية. ويتطلع الفريق الباريسي الآن إلى تحقيق حلمه الأكبر بالفوز بدوري أبطال أوروبا للمرة الأولى، والطموح إلى التربع على عرش كرة القدم العالمية والتتويج بالنسخة الأولى من مونديال الأندية الذي سيشهد مشاركة 24 فريقًا في الولايات المتحدة.
أكد التقرير الصادر عن الفيفا على أن "عام 2008 يبدو وكأنه حقبة غابرة بالنسبة لأنصار باريس سان جيرمان. ففي تلك الأيام، نجا فريقهم بأعجوبة من الهبوط إلى الدرجة الثانية. أما اليوم، فقد بات النادي قوة مهيمنة في فرنسا، يسيطر بشكل شبه كامل على البطولات المحلية، وقد حقق أخيرًا حلمه الأسمى بالفوز بدوري أبطال أوروبا للمرة الأولى في تاريخه".
في السابع عشر من شهر مايو لعام 2008، كان باريس يواجه خطرًا حقيقيًا، حيث كان يقبع خارج مراكز الهبوط قبل انطلاق منافسات الجولة الختامية، مستفيدًا من تعثر منافسيه المباشرين، لانس وتولوز، بالخسارة. بيد أن فريق العاصمة لم يكن بمنأى تام عن الخطر، إذ كان يتقدم بفارق نقطة واحدة فحسب عن هذين الفريقين، مع تفوقهما عليه بفارق الأهداف.
في الجولة الأخيرة، حقق باريس فوزًا صعبًا خارج أرضه على سوشو بنتيجة 2ـ1، بفضل هدف حاسم في الدقيقة 83، لينجو بأعجوبة من الهبوط. بذلك، أنقذ النجم والقائد البرتغالي للفريق، بيدرو باوليتا، من إنهاء مسيرته في حديقة الأمراء بطريقة مأساوية.
خلال الفترة الممتدة بين عامي 2008 و2011، عانى باريس من حالة من عدم الاستقرار الإداري، حيث تغيرت ملكية النادي أكثر من مرة، وتناوب ستة أشخاص على منصب الرئيس. كما شمل التخبط أيضًا تغيير القيادة الفنية، حيث تمت إقالة المدرب بول لوجوين وتعيين أنطوان كومبواريه في منتصف عام 2009.
إلا أن الفريق تمكن من تجاوز حالة الارتباك الإداري، محققًا نتائج لافتة داخل المستطيل الأخضر، مستفيدًا من خبرات لاعبين بارزين أمثال كلود ماكليلي ولودوفيك جولي. فقد أنهى الموسم في المركز الرابع في موسم 2010-2011، وبلغ نهائي كأس فرنسا مرتين، وفاز باللقب مرة واحدة.
كما تألق الفريق على الساحة الأوروبية، حيث وصل إلى ربع نهائي النسخة الأخيرة من كأس الاتحاد الأوروبي في موسم 2008-2009، ثم بلغ دور الستة عشر في الدوري الأوروبي بنظامه الجديد موسم 2010-2011، وقدم عروضًا مبهرة نالت استحسان الكثيرين، بما في ذلك تعادله مرتين أمام بوروسيا دورتموند في دور المجموعات.
شهد شهر يونيو من العام 2011 منعطفًا حاسمًا في تاريخ النادي، بعد استحواذ صندوق الاستثمار الرياضي القطري على ملكيته، مما ضخ دماء جديدة في شرايين مشروعه الطموح.
تعاقدت الإدارة الجديدة مع نجوم لامعين مثل ماكسويل وتياجو موتا وتياجو سيلفا، وأنفقوا ميزانية ضخمة جدًا لاستقطاب أسماء عالمية من الطراز الرفيع مثل زلاتان إبراهيموفيتش، وديفيد بيكهام، والأوروجوياني إدينسون كافاني، بالإضافة إلى مواهب واعدة مثل ماركو فيراتي، ولوكاس مورا، وماركينيوس، وخافيير باستوري.
في عام 2013، حقق الفريق أول لقب دوري له منذ عام 1994، وواصل هيمنته على اللقب، محققًا 10 ألقاب في غضون 12 عامًا فقط، حيث فقده مرتين لصالح موناكو في 2017 وليل في 2021، مما عزز مكانته كقوة كروية بارزة على الساحة الدولية.
على الرغم من السيطرة الكاسحة لباريس سان جيرمان على الساحة المحلية، إلا أنه اصطدم بسقف زجاجي في دوري أبطال أوروبا. فبين عامي 2013 و2016، ودع المسابقة أربع مرات متتالية من الدور ربع النهائي، قبل أن يُقصى بسيناريو مؤلم من دور الـ16 في عام 2017 بخسارة تاريخية أمام برشلونة بنتيجة 1-6، أنهت آماله بعد فوزه ذهابًا على أرضه برباعية نظيفة، ليخرج من البطولة رغم تقدمه بفارق هدفين في مجموع المباراتين حتى الدقيقة 88.
دفعت هذه النتيجة المخيبة إدارة النادي إلى التمسك بشعارها "أحلم بشكل أكبر"، لتقوم بإبرام صفقات قياسية، أبرزها التعاقد مع النجم البرازيلي نيمار، الذي كان في أوج تألقه في ذلك الوقت ولعب دورًا حاسمًا في تلك العودة التاريخية لبرشلونة، إلى جانب الموهبة الفرنسية الصاعدة كيليان مبابي، بل وتجاوز ذلك وجذب النجم الأرجنتيني الأشهر ليونيل ميسي، ليشكل الثلاثة خط هجوم ناري، لكن دون أن ينجح الفريق على المستوى القاري.
وعلى الرغم من الخروج المبكر عدة مرات من دور الـ16، فقد بلغ باريس أخيرًا النهائي للمرة الأولى في عام 2020 ووصل إلى المربع الذهبي في العام التالي، لكنه خسر بسيناريوهات مؤلمة للغاية. ففي عام 2020، خسر الفريق أمام بايرن ميونيخ بهدف وحيد سجله أحد خريجي أكاديميته، كينجسلي كومان. وبعد عام، أطاح به مانشستر سيتي من الدور نصف النهائي بنتيجة 4-1 في مجموع المباراتين، وفي عام 2023، ودع البطولة مرة أخرى أمام البايرن من دور الـ 16.
بدأت ملامح التغيير الحقيقي تظهر في عام 2022، مع تعيين البرتغالي لويس كامبوس مستشارًا رياضيًا للنادي، ليخلف أسماء أخرى تولت الإدارة الرياضية مثل ليوناردو وباتريك كلويفرت وأنتيرو هنريكي، حيث استقطب لاعبين مثل فيتينيا، وجواو نيفيز، وفابيان رويز، الذين سرعان ما أصبحوا أعمدة أساسية في التشكيلة.
إلا أن التحول الأكبر جاء مع نهاية موسم 2022-2023، حيث تم الاستغناء عن أسماء من العيار الثقيل مثل ماركو فيراتي وميسي ونيمار وسيرجيو راموس، واستبدالهم بعناصر شابة تتراوح أعمارهم بين 20 و22 عامًا مثل برادلي باركولا، ولي كانج إن، وجونسالو راموس، بالإضافة إلى تعيين المدرب الإسباني لويس إنريكي، بطل العودة التاريخية لبرشلونة أمام باريس، والمعروف بأسلوبه الصارم وقدرته على تحقيق النتائج.
وبعد أن مُنح إنريكي الحرية الكاملة لتطبيق فلسفته الكروية، نجح في موسمه الأول، حيث قاد الفريق للفوز بالثلاثية المحلية، لكن المسيرة القارية توقفت عند الدور نصف النهائي بالخسارة ذهابًا وإيابًا أمام بوروسيا دورتموند بنتيجة 0-2 في مجموع المباراتين.
في صيف عام 2024، غادر كيليان مبابي، الهداف التاريخي للنادي، إلى ريال مدريد. وبعد فترة من التجارب والتعديلات على التشكيلة الأساسية، توصل إنريكي إلى التوليفة المثالية التي كررت إنجاز الثلاثية المحلية، وحققت الحلم الأكبر بالفوز بلقب دوري أبطال أوروبا بانتصار كاسح على إنتر ميلان بخماسية نظيفة على ملعب أليانز أرينا في ميونيخ في 31 مايو الماضي.
